ما هي البيئة المدنيّة وماهي ممارساتها؟ وماهي علاقتها بالكوارث والحروب؟
البيئة المدنيّة
ماهي البيئة
المدنيّة؟
تعرّف البيئة المدنية
على أنّها إدارة الموارد الطبيعيّة على أساس مجتمعي بحيث تؤدي إلى نتائج إيجابيّة
ومرغوب بها على الصعيدين، المجتمعي المدني، والبيئي.
تاريخ وتطوّر هذا العلم:
بدأت الفكرة تتكون بعد منتصف التسعينات تقريباً، عندما زارت البروفيسورة "مريان
كرسني"[1]
أحد الحدائق العامّة في ولاية نيويورك ، وانخرطت بأعمال التّنظيف وزراعة الأشجار
بمساعدة بعض من طلّاب قسمها في جامعة "كورنيل"، حيث كانوا يسمّون أنفسهم
أصدقاء هذه الحديقة.
في عام 1998تحديداً، كانت "كرسني" تبحث عن وسائل
للتعليم حول البيئة والبيئة في المدن، وذهبت لإحدى الحدائق العامة في ولاية
نيويورك، لتشاهد نظام تصنيع السماد الطبيعي، عندها شاهدت أحد المباني التابع
لمدرسة في تلك المنطقة يطلّ على الحديقة العامّة، حيث يأخذ الطلاب دروسهم في
الحديقة.
لكن في الجانب الآخر يقع بناء يستخدم كمسجد لمهاجرين من بنغلادش، حيث زرعوا
أمامه انواعاً مختلفة من النباتات الأصليّة في بلادهم، فالحديقة تحوّلت لمكان
ليتعلّم فيه التلاميذ كيفية صنع السّماد الطبيعي من جهة، كما أنّه مكان ليتعلّم النّاس بعضهم من بعضهم، طلابّاً وسكّاناً ومهاجرين.
كما
أنّ الناس الذين يحضرون إلى هذه الحديقة ليس فقط للحصول على المعرفة العملية ، ولكن
أيضاً للتعبير عن تراثهم الثقافي الغني بممارسات الزراعة وكيفية
ارتباطهم بثقافاتهم.
بعدها حصلت "كرسني" على التمويل من حكومتها لتنفيذ برنامج يُسمّى "حديقة الفسيفساء" والذي
يهدف إلى تدريس العلوم إضافة إلى العمل المجتمعي. من خلال تفاعل الأطفال مع مكوّنات الحديقة
ومع المزارعين أنفسهم، وإضافة كل ما يعرفونه عن ارتباط محاصيل معيّنة بثقافتهم.
وخلال تنفيذ هذا البرنامج، أتيح للقائمين عليه فرص كثير للسفر إلى العديد
من المدن منها: (جوهانسبورغ في جنوب إفريقيا، تورنتو في كندا...) حيث لاحظوا أينما ذهبوا، وعند زيارة الحدائق العامّة، أن أغلب المزارعين في تلك الحدائق هم
من المهاجرين، ذاكرين أنّ هذه الحدائق كانت جزءاً من شفائهم أو حتى مقاومتهم
للصعاب التي تعرضوا لها.
ومن خلال متابعة فريق العمل لتنفيذ البرنامج، لاحظوا أنّه كان هناك دوراً
هامّاً للحدائق والزّراعة في استجابة الناس لأي مأساة، أو تغيير مفاجئ، أو اضطراب.
كما لعبت دوراً هامّاً في تكوين الأمل لديهم اتجاه المستقبل.
كما شاهدت "كرسني" ذلك كردة فعل على أحداث الحادي عشر من أيلول
في نيويورك، وغيرها من الأمثلة، للجنود العائدين من الحروب، أو الذين يعيشون في
أحياء العصابات، أو حتى ردة فعل السكّان في "نيو أورلينز" بعد أن ضربها
الإعصار.
بعد كلّ تلك الملاحظات والاستنتاجات النّاتجة عن التجارب الواقعيّة، أوجدت
"كرسني" و"تيدبول"[2]
مصطلح "البيئة المدنيّة".
أمّا عن الآليّات التي تؤدّي إلى ظهور ممارسات البيئة المدنيّة في الأماكن
المتضرّرة، والأماكن الّتي تعرّضت للحروب والعنف الشديد، فتقول "كرسني"
أنّه هناك خمس آليات اكتشفتها وكافّة الفرق التي تعمل معها، والتي لم تثبت في
نظريّة متكاملة بعد، ولكنّه من المؤكّد أنها تلعب دوراً كبيراً.
هذه الآليات هي عبارة عن :" biophilia أو حب الانتماء إلى الطبيعة وكافة أشكال الحياة
الأخرى، و topophilia
أو فرضية الشعور بالمكان والتصالح معه وحب جوانب عديدة منه، التخليد لذكرى ناس أو
أمكنة كانت موجودة، أحد أشكال وطقوس التعافي، وأخيراً شكل من أشكال المواجهة
للظروف والتغيرات الجديدة".
وبالنسبة لخدمات النظام البيئي كالغذاء والتنقية والمياه والتسميد، فلها
علاقة بممارسات البيئة المدنية، فإنّ ممارسات البيئة المدنيّة تقدّم خدمات كخدمات
النظام البيئي، وذلك من ناحيتين مختلفتين، الأولى هي إنشاء وتحسين
البنية التحتيّة الخضراء مثل الحدائق العامة والأراضي الرطبة الاصطناعية، والتي بدورها
توفّر خدمات مثل الغذاء وتنقية الهواء. والثانية هي توفير الفرص للناس
للتعرّف على مجتمعهم والبيئة، والمشاركة في الأنشطة الترفيهية مثل الحدائق العامة،
وتقدير الجمال من المناطق المحيطة بها، وحتى تطوير الإحساس بالمكان.
![]() |
مشروع بيئة مدنية: الحديقة المجتمعية في مخيم موكاندو للاجئين في النمسا |
ومن جانب آخر، فإنّ لإدارة وتنظيم هذه الممارسات أسلوب
تعاوني مبني على دراسة وبحوث معمّقة، فإنّه يجب على الحكومات والمنظّمات الدوليّة،
والجمعيات الأهليّة، وكافّة الفئات العاملة في المجتمع التّعاون لتحقيق أفضل نتائج.
من وجهة نظرنا إنّ البيئة المدنيّة وممارساتها لربما إحدى أكثر الوسائل ملاءمة للعلاج والتعافي النفسي بعد الكوارث والحروب وأعمال العنف،
ونعتقد أنّه من المناسب الاتّجاه نحو تطبيق هكذا ممارسات بالتّعاون مع وزارة الإدارة المحلية والبيئة في
سوريّة والجمعيّات الأهليّة البيئيّة.
يذكر أنّ هناك بعض المشاريع التي طُبّقت في هذا المجال في سوريّة والتي
سنأتي على ذكرها لاحقاً.
المصدر: https://courses.edx.org/courses/CornellX/ENVSCI1500x/1T2015/info
Comments
Post a Comment